تعديل النظام الإنتخابي: ضرورة أم مناورة سياسية؟
قدّم مجموعة من خبراء القانون والإقتصاد مؤخّرا مبادرة لتعديل النظام الإنتخابي، واعتبر أصحاب المبادرة أنّ هذا النظام يمثّل أحد الأسباب الرئيسة للأزمة في تونس وأنّ تعديله سيكون الحلّ الأنسب لتحقيق الإستقرار السياسي.
وأعلن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في خطابه أمس الثلاثاء 20 مارس 2018 بمناسبة عيد الإستقلال مساندته لهذه المبادرة.
وقد تباينت آراء الأحزاب حول تعديل النظام الإنتخابي بين مساند للمبادرة واعتبار التعديل ضرورة لا تحتمل التأجيل وأخرى تساند المبادرة من حيث المبدأ ولكن دون المضي فيها قبل تقييم النظام الإنتخابي الحالي وابراز اخلالاته، فيما يرى آخرون انّ الخلل لا يكمن في النظام الإنتخابي وأنّ هذه المبادرة تمثل طريق ملتوية لتغيير النظام الإنتخابي تمهيدا لتغيير النظام السياسي واعادة المنظومة القديمة.
حبيب خذر: تطوير النظام الإنتخابي بصفة تدريجية
وقال النائب عن حركة النهضة الحبيب خذر في ميدي شو اليوم الأربعاء 21 مارس 2018 إنّ الفكرة مبدئيا ايجابية ولكن لا وجود لموقف موحد ورسمي ونهائي في خصوص هذا المقترح.
وأضاف ''نرى أنّ فتح الباب للنقاش ايجابي، ولكن تطوير النظام الإنتخابي لا يجب أن يكون جذريا ويجب أن يتم تحسينه تدريجيا بما يتوافق مع الواقع التونسي.''
وقال إنّ نظام الإقتراع الذي تم اقراره من قبل لجنة تحديد أهداف الثورة لم يكن خيار النهضة ولا النظام الذي تمّ وضعه لاحقا من المجلس التأسيسي''
وشدّد على أنّ نجاح التجربة أولى من حسابات الأحزاب، داعيا في هذا السياق إلى انتظار نتائج الإنتخابات البلدية وما سيفرزه النظام المعتمد بعد اضافة سقف انتخابي بـ 3 بالمائة وامكانية تعميمه على الإنتخابات التشريعية.
في المقابل اعتبر خذر أنّه لا يرى بأنّ كل العلل يمكن ايجاد حلول لها عبر تغيير النظام الإنتخابي وأنّه يفترض وجود تصور لمعالجة بعض النواقص بدء بنظام الإقتراع، مع وجود بوادر يمكن أن تحقق تقدما لتونس.
وأضاف أنّه لا يمكن تنفيذ مشروع وضع على ورق دون اخضاعه لمنطق الواقع، حسب تصريحه، داعيا إلى عدم التسرع.
سفيان طوبال: النظام الإنتخابي لا يضمن أغلبية مريحة ويجب تغييره
من جانبه قال رئيس كتلة نداء تونس بالبرلمان إنّ تعديل النظام الإنتخابي يحتّمه وضع البلاد والصعوبات التي تمر بها لأنّ النظام الإنتخابي الحالي لا يضمن اغلبية مريحة تمكّن من القيام بالإصلاحات الضرورية، وفق تقديره.
وأشار في هذا الصدد أنّ تحالف النداء مع النهضة بعد انتخابات 2014 أحدث شروخا داخل حزبه.
واعتبر أنّ تغيير الحكومات لم يؤدي إلى ازالة الحواجز أمام القيام بالإصلاحات، وهو ما يدعو إلى تعديل النظام الإنتخابي، حسب رأيه.
وقال ''من غير المعقول أن يتساوى نائب حصل على 120 ألف صوت مع نائب لم يتجاوز عدد الأصوات التي حصل عليها 200 صوت''
وأوضح أنّ النقاش حول هذه المسألة سيفتح داخل الأحزاب ثمّ بين الأحزاب ومع كل مكونات المجتمع المدني، مشيرا إلى أنّ نداء تونس لا يساند نظاما انتخابيا بعينه.
واعتبر أنّالوضعية اليوم تختلف عن وضعية المرحلة التأسيسية لأنها وضعية تتجه فيها تونس لإنهاء مرحلة الإنتقال الديمقراطي، وبالتالي فإنّ القانون الإنتخابي الذي تمّ اعتماده سابقا لا يمكن أن يكون المناسب للمرحلة المقبلة.
وقال طوبال ''نعيش داخل دكتاتورية الأقلية داخل المجلس (مجلس نواب الشعب) ، لأنّ النظام الداخلي يحتم وجود اتفاق بين ممثلي مختلف الكتل صلب اللجان.
وأضاف ''نريد نظاما انتخابيا يعطي للفائز في الإنتخابات أريحية في الحكم مع الحفاظ على المعارضة الوطنية دون تغوّل''، معتبرا أنّه لا وجود لحزب حاكم في المرحلة الحالية يقوم بتنفيذ برامجه، بل إنّ جميع المسائل تتم وفقا التوافقات، معتبرا ما اسماه بالفوضى البرلمانية أساس التعطيلات الحالية.
الجيلاني الهمامي: تعديل النظام الإنتخابي تمهيد لعودة المنظومة السابقة
من جهة أخرى اعتبر الناطق بإسم حزب العمال الجيلاني الهمامي أنّ الغاية من التعديل ليس ضمان الإستقرار السياسي ومنح الحزب الحاكم اريحية تمكّنه من تنفيذ برنامجه بل مدخل لعودة المنظومة القديمة.
وقال إن الغاية منها التوجه نحو تبسيط المشهد السياسي لإفراز حزب مهيمن أو حزبين، مشيرا إلى وجود رغبة واضحة أن يظل نداء تونس في الحكم وعودة البقية للمعارضة ومنهم حليفه الحالي النهضة، ووضع حاجز أمام الأحزاب الأخرى.
وقال الهمامي ''لا أعتقد أن الإئتلاف الحاكم غير قادر على تنفيذ برنامجه ولم يمنعه التنوع داخل البرالمان من ذلك''، مشيرا أنّ المسألة مرتبطة بالحسابات السياسية.
وتابع ''جوهر المشكل تتمثّل في رغبة جامحة للسبسي لتغيير النظام الإنتخابي ومن ثمة النظام السياسي والعودة إلى النظام الرئاسي وعودة المنظومة القديمة''، مؤكدا عدم وجود ضرورة لتغيير النظام الإنتخابي الذي يجري اختباره، وأنّه لا يجب ايقاف الإختبار وسط الطريق دون تقييمه وابراز أسباب فشله".
وقال في السياق ذاته إنّه لا وجود لأحكام قاطعة بأنّ أسباب العجز والفشل تعود للنظام الإنتخابي.
واعتبر أنّ الأولوية، رغم الأزمة السياسية، لا تكمن في مراحعة النظام الإنتخابي ولكن الأولوية تظل في المرحلة الراهنة اقتصادية واجتماعية.
وقال إنّ النظام السياسي يشتغل، على علته، بصفة طبيعية، ملاحظا أنّ التعطيل ناتج عن الحسابات السياسية أكثر منها لسبب آخر، وفق تقديره.
وصرّح أنّ ''تغيير المنظومة الإنتخابية قبل عام ونصف على محطة انتخابية (انتخابات 2019) دون تقييم للتجربة ومحاولة فرض التغييرات بالقوة ليست الصيغة الأمثل''، داعيا إلى احترام المنظومات التي تمّ وضعها واحترام الطرق المثلى لتقييمها قبل تعديلها أو تغييرها.
وشكّك في حسن نوايا المبادرة التي تمّ تقديمها، معتبرا أنّها مبادرة تحت الطلب ولم تأت بصفة طبيعية ليقوم رئيس الجمهورية بتبنيها عن حسن نية، وفق تعبيره.
